نص خطاب الوداع لنقيب المحامين أحمد سالم ولد بوحبيني
الخميس, 17 يوليو 2014 09:53
Résultat de recherche d'images pour

موقع الضمير ينشر نص خطاب الوداع الذي ألقاه نقيب الهيئة الوطنية للمحامين المنتهية ولايته الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني، خلال حفل تنصيب سلفه الأستاذ الشيخ ولد حندي أمس الأربعاء بقصر العدل في نواكشوط. "أيها المحامون الأفاضل، ها أنتم تختتمون مأمورية وتفتتحون أخرى في ظل وضع معقد يتوق فيه شعبـُـكم إلى أن تكونوا على مستوى تطلعاته، وآماله في تحقيق العدالة، وتجسيد دولة القانون، ووضع حد للغبن والظلم وانتهاك الحريات العامة وحقوق الإنسان.

أيها المحامون الأكارم، إنكم مطالـَـبون، في ظل التحديات القائمة، بأن تبقوا متراصّين ومعبّـئين، لأن هيئتكم تـُعتبر اليوم إحدى الهيئات القليلة التي يمكن للمواطنين أن يعولوا عليها لمساندة فقير لا يملك مصاريف الدفاع، وللذود عن غني مستهدف، ولتخفيف معاناة سجين مـُـنع من حقوقه في الحياة الكريمة داخل زنزانته. إن على هيئتكم الموقرة، وبوصفها الشاهد الأكبر على المساس يوميا بالمبادئ التي تقوم عليها دولة القانون، من خلال الخرق المستمر لكل الحقوق، أن تكون يَــقِـظة على الدوام، وأن تمتلك القدرة على الرد السريع لكي تمنع التعوّد وعدم الاكتراث إزاء انتهاكات حقوق الإنسان غير المقبولة البتة في فضاء ديمقراطي، أو في فضاء يُـراد له أن يكون ديمقراطيا. أيها الأكارم، ها أنا أقف أمام جمعِكم الموقر، مُـودّعا هذا المنصبَ الجليل الذي منحتموني مسؤوليته مرتين، وشاكرا لكم ما شرفتموني به من ثقة كاملة، ومُـمْـتنا لكم على ما أسديتموني من نـُصح، ومُـعترفا لكم بجميل التعاون المثمر.. غير أن مهمتي لن تكتمل إلا إذا أنهيت هذا المشوار بما يلزم من الرأي الصريح، القاسي تارة في شكله، والسديد عموما في مضمونه. إن عليكم، وأنتم حـُماة القانون، أن لا تحاولوا أبدا أن توفــّـقوا بين مزايا السلطة واستقلاليتكم. فمن الصعوبة بمكان، وربما من المرفوض خــُـلــُـقيا، التوفيق بين الاثنين في السياق المحيط بنا. وإن عليكم، بالتالي، أن تختاروا استقلاليتكم لأن فيها مَـكـْـمَن قوتكم، ومنها تــُـستمد شرعيتكم، وعليها يـُعول مواطنوكم. إنه الموقف الذي جربتُ خلال المأموريتين الفارطتين وعلى مدى الست سنوات الأخيرة، والذي تمخض عن حصول هيئتكم الموقرة على الكثير من المصداقية التي لا أتمنى أن تــُـفــَـــرّطوا فيها أبدا. أيها المحامون الموقرون، لقد طالبتُ، مرارا، المساعدة القضائية لصالح المواطنين الفقراء المُـعدَمين. وبما أننا ما زلنا نطلع لولوج المواطنين إلى هذه الخدمة العمومية، فإنني أنصحكم بمواصلة هذا المطلب،وأن تبحثوا على غرار ما فعلتُ قبل ثلاث سنوات، عن التوصل لوسيلة تضعون بها نظاما موازياً يخول لهيئتكم أن تكون صوتا لمن "لا صوت لهم" من المنسيّـــين في السجون الذين تتجاهلهم العدالة، وتطحنهم السلطات، وتعبث بهم الظروفُ المزرية. كما أنصحكم بأن تبرهنوا، خلال مزاولتكم لمهنتكم النبيلة، على استقامتكم واعتدالكم. لقد سعيتُ،على مدى المأموريتين السابقتين، أن أشرح للسلطات القضائية والإدارية أن دورَ المحامي معترف به عالميا كــرُكــْـن من أركان النظام القضائي، وأن المحامي أصبح من ضمن أعوان القضاء بالمعنى التام للكلمة. فهو الذي يساعد ويقدم العون، وهكذا يشارك فعليا في المسلسل الإجرائي القضائي الذي يجب أن يقود، مبدئيا، إلى إقامة وضعيةٍ أكثر انسجاما إثر محاكمة عادلة تستجيب لمشاعر العدالة التي يعبر عنها المواطنون، كما يساهم المحامي أيضا في حسن سير الخدمة العمومية للعدالة. السيد نقيب المحامين، السادة أعضاء المكتب، بالنسبة للعلاقة مع القضاة، فإن على المحامي، في مسلكياته، أن يتحاشى عـَـثــْــرتين: الخنوع والألفة. إن من حق القاضي على المحامي أن يحترمه دون خنوع حفاظا على كرامته واستقلاليته، فهو مساعد للعدالة وليس للقاضي الذي يتقاسم معه، ولنفس الدواعي، شرف الإسهام في عمل العدالة إننا مطالبون، في سلوكنا وفي تصريحاتنا وفي كتاباتنا، بأن نتأدب مع القضاة. بيد أنه لا يحرم علينا توجيه الانتقادات والقيام بما يلزم من احتجاجات ضد المواقف المتعارضة مع احترام الحقوق التي يجسدها المحامي وهو يحمل في عنقه أمانة وعهدا. والله، جل جلاله، يوصيه بأن يرعاهما معاً. إخوتي الأكارم، فالمحامي ملزم تجاه القاضي بالاحترام المتبادل، وإذا ما انعدم هذا التبادل فلا شيء يمنع المحامي من عدم إيثار القاضي باحترامه. ومهما كان الأمر صادما، فإن على القاضي أن يقتنع بأن أسطورة القاضي المرتبطة بمجرد كونه قاضٍ، أصبحت جزءًا من الماضي البعيد. وأما اليوم فإن على القاضي أن يحصد شرفه، أن يستلهمه، أن يثيره، وأن يستحقه من خلال سلوكه وتصرفاته. لذلك وجدتُ، خلال المأموريتين الماضيتين، صعوبة بالغة في احترام بعض القضاة المرتشين وغير الأكــْــفاء. وكثيرا ما اعتبر بعضُ القضاة أن تصريحاتي تجاههم كانت مـُـثـْـقــَــلةً بالاحتقار أو، على الأقل، الإساءة التي أتجاوز عتبتها تارة. أما بالنسبة لي فقد اعتبرت أن تصريحاتي تجاههم، وأمام عجزهم عن تحمل مسؤولياتهم، كانت مهذبة من حيث المعنى وموزونة من حيث حجم الكلمات. ولولا تماسكي وسيطرتي على نفسي، لذهبت أبعد من ذلك في نعتهم بكل الأوصاف، وأنا أشاهد الجلسات التي تجلب لهم العار. لأنهم لم تأخذوا أي شيء في الحسبان: لا الملف الفارغ، ولا الشهادات المؤثرة لرجال عرضوا عليهم آثار التعذيب الذي مورس عليهم بغية انتزاع اعترافاتهم، ولا القرارات الجائرة والغير مبنية على أي أساس قانوني... إخوتي الأكارم، إن على هيئتكم الموقرة أن ترفض كل الخروقات حتى ولو كانت معزولة وفردية لأن "ظلما يتعرض له إنسان واحد يشكل، في حقيقته، تهديدا لكل الناس". وإن على هيئتكم، كي تؤثر في التاريخ وتسجل اسمَها بين المُـصلحين، أن تناهض الإقصاء والتمييز، وأن تدافع باستماتة عن الحقوقيين والنشطاء في مجال حقوق الإنسان. إخوتي الأفاضل، لا يسعني في نهاية هذه الكلمة التوديعية إلا أن أهنئكم على الثقة التي منحكم زملائي وأذكركم بحجم الأمانة الملقاة على كواهلكم، وأؤكد لكم مجددا أن على هيئتكم أن تبقى إلى جانب الضعفاء والمقهورين والمسحوقين على يد العدالة، والله وحده يعرف كم عدد هؤلاء في بلادنا. فأنتم تعرفون أكثر من غيركم كم رجلا وكم امرأة وكم بالغا وكم قاصرا يهانون يوميا في هذا المكان الذي يسمونه "قصر العدالة". فكل يوم ترون أشخاصا وقفوا عاجزين عن استرداد حقوقهم المشروعة.. كل يوم ترون أشخاصا أدخلوا السجن ظلما.. كل يوم ترون أشخاصا عجزوا عن تنفيذ القانون في من ظلموهم أو سلبوهم أو نهبوهم أو أساءوا إليهم.. كل يوم ترون ظالما يستظل بظل وزير أو قاض أو شخصية نافذة فلا يقدرُ عليه أحد..كيف لكم، والحال هذه، أن لا ترفضوا هذا التصرف وتؤازروا هؤلاء وأنتم النخبة المفترضِ فيها أنها تفهم العدالة أكثر من غيرها؟.. كيف لا تتحملون مسؤولية الدفاع عن هؤلاء ضد عدالة تفترسهم بلا رحمة، وضد سلطة تنفيذية تتدخل يوميا بما يتناقض مع روح القانون ومبدأ فصل السلطات؟. إن الهيئة المحترمة هي تلك التي تدافع عن المساكين والمهمشين والمقصيين، وتناضل من أجل المساواة، ومن أجل استقلال القضاء، ومن أجل سيادة القانون.. إن الهيئة المحترمة هي تلك القادرة على أن تقول للمدعى العام: إننا لا نقبل الحبس التحكمي، هي تلك القادرة على أن تقول للمدعى العام :إنكم تطبقون جورا تعليمات صادرة من الجهاز التنفيذي، هي تلك القادرة على أن تقول لرئيس المحكمة العليا: إننا نرفض خضوع القضاة للسلطة التنفيذية.. تلك هي الهيئة القوية التي نحتاج إليها والتي سَعَـيْــنا إلى بنائِــها بما يلزم من شجاعة وإصرار وعزيمة وتشبث بالقانون.. فاللــهَ، أرجو أن يوفقكم إلى مواصلة المسيرة، مع تمنياتي لكم بالنجاح في مهمتكم الصعبة والنبيلة، والتي تتحملون اليوم في جو من الظلم وغياب أي إرادة سياسية لإصلاح العدالة، وفي غياب تام لأية نية واضحة وسليمة لتحسين وضع القضاء، وفي ظل عدم الاكتراث بمعاناة المتقاضين ورٔوﱠاد قصر العدالة من المظلومين والمنهكين والحيٓارٓى أمام عدالة تتراجع يوما بعد يوم، دون أن نرى في الأفق ما يطمئن على انفراج الوضع قريبا. إن على هيئتكم، إذن، تواجه وضعا كهذا، أن تقف بالمرصاد لكل محاولات الدوس على أخلاق المحاماة، وقيم القضاء، ومٔهمة المحاكم، ونيل العدالة". وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.  

نص خطاب الوداع لنقيب المحامين أحمد سالم ولد بوحبيني