من أعلام المدرسة الكنتية : الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبة الايبيري
الأحد, 26 يناير 2014 23:49

555555555555

هو العلامة قطب زمانه الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبة الأبييري، أحد عظماء بلاد شنقيط، ومشائخها وعلمائها الأجلاء، كان صاحب همة عالية وسعي حثيث من أجل تحصيل العلوم والنهل من ينابيع الحكمة وبثها بين الناس.

ولد في نواحي بوتيلميت، وتوفي في «تندوجة» بنواحي بوتيلميت. عاش في وطنه موريتانيا التي كانت تعرف في زمانه ببلاد شنقيط، وفي «أزواد» - دولة مالي حاليًا - للدراسة، كما كانت له رحلة إلى المغرب قاصدًا الحج، فأعاده ذكر الوباء، بعد أن أكرمه السلطان العلوي، واحتفى به شعراء المغرب الأقصى وعلماؤه. نشأ على يد علماء الأسرة، قصد بعدها محضرة حرمة بن عبدالجليل، ثم محضرة «الكحلاء والصفراء» ليدرس على يد حبيب الله بن القاضي، فمحضرة سيد المختار  الكنتي، وأبنائه من بعده، فاستكمل على يد أشياخها علومه، ثم أسس في مسقط رأسه محضرته العلمية والصوفية، فقصدها الطلاب من كل أصقاع الغرب الإسلامي (العربي والإفريقي). كان يبذل ماله في حمل الديات، وحفر الآبار، ومساعدة العاجز، وإصلاح ذات البين بين القبائل والأفراد. كما كان يرسل تلاميذه إلى المدن والبوادي لنشر العلم. تصدى لمحاولات الاستعمار الفرنسي احتلال البلاد، ودعا إلى مؤتمر قمة في حاضرته «تندوج» حضره أمراء موريتانيا للتباحث في أمر البلاد، وقد شهدت له الوثائق الفرنسية باستحالة احتلال البلاد ما دام حيًا. كان الشيخ سيديا ثمرة يانعة وقمّة شاهقة لتلك المرحلة التي عرفت بأنها عصر النضوج الفكري في قطر شنقيط، حيث ظهر عدد من الرموز الذين تركوا أثرا عميقا في محيط المعرفة والتصوف، ممن عاشوا في القرنين 12و13هـ/18و19م، ومن هؤلاء على سبيل المثال، المختار بن بونا الجكني، مؤسس مدرسة المعارف العربية والإسلامية، ومن أبرز تلاميذه حرمة بن عبد الجليل العلوي، وعليه درس الشيخ سيديا، وسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، وقد حرص الشيخ سيديا على لقائه، ثم الشيخ سيدي المختار الكنتي، زعيم الطائفة الصوفية المستندة إلى درجة عالية من علوم الظاهر، ومن بعده ابنه الشيخ سيدي محمد، شيخ الشيخ سيدي، كما عاصر الشيخ سيديا الشيخ محمد الحافظ العلوي الذي دخلت الطريقة التجانية بلاد شنقيط على يديه. وهكذا يكون تلاقي تيارات تلك الينابيع الروحية والمعرفية مساعدا على فهم أبعاد العمق الثقافي الاجتماعي الذي نشأ فيه العلامة الشيخ سيدي الكبير. اشتغل الشيخ سيديا منذ ريعان شبابه، بطلب العلم في موطنه الأصلي بأرض "القبله"، ثم ارتحل بعد ذلك إلى منطقة " أزواد" وصحب الشيخ سيدي المختار الكنتي، ثم ابنه الشيخ سيدي محمد حيث مكث في تلك الرحلة العلمية أكثر من عشرين سنة، وكان للشيخ سيديا بعد عودته إلى أرض " القبله" دور علمي واجتماعي بارز، فقد أصبح محط أنظار طلاب العلم وأصحاب الحاجات، فانتشر علمه وتربيته في ربوع المنطقة، وذاع صيته في شرق البلاد وغربها، وامتد عطاؤه وتأثيره إلى مناطق واسعة داخل الوطن وفي البلدان المجاورة، وكان محط إجلال وتقدير الأمراء والسلاطين الذين كانوا يستمعون لرأيه ومشورته، و أهدى بعضهم له هدايا قيمة من الكتب النفيسة والنادرة. ومع ما تحلى به الشيخ سيدي من المواهب العلمية والروحية فقد كان رجلا ماضي العزم وثّاب الهمة، بهر العديد من معاصريه ليس فقط بما جرى على يديه من خوارق وكرامات كان المجتمع مستعدا لتقبلها، بل بالرأي الصائب وحصافة العقل، مما هيأه لاحتلال درجة من الزعامة لم يتح إلا لنفر قليل من رجال العلم والدين بلوغها في هذه الأقطار، وتشهد وفرة رسائله وفتاويه في المجال الديني والسياسي على الهمة العالية والسعي فيما يراه صالحا على امتداد عمره – ما وسعه الأمر – فقد تدخل في شؤون القبائل وتوسط بين هؤلاء وأولئك. ويبدو واضحا من دراسة آثار ومواقف الرجل أن القوة الدافعة لهذه الشخصية كانت تكمن في عمق إيمانه وإحساسه الحي بقيمة التعاليم الصوفية، فهذان الحافزان خالطا نياط قلبه، ووجها تفكيره وشعوره وسلوكه. الأعمال الأخرى: - له عدد كبير من الرسائل التي كتبها لنظرائه، ولأمراء عصره، ولقادة القبائل، وكذلك للحاكم الفرنسي لغرب إفريقيا. وتكشف هذه الرسائل عن تمكنه من فن الكتابة النثرية، وعن توظيفه لثقافته الدينية والصوفية واللغوية والأدبية، وعن حنكته السياسية، كما أن له رسائل في التوجيه الاجتماعي والأخلاقي،وله رسائل في علم التجويد، وشروح في النحو وغيره،  وعموما فقد كان الشيخ سيديا الكبير شخصية علمية متميزة وفريدة، رفعت ذكر بلاد شنقيط، وساهمت في نشر الدين والأخلاق الفاضلة، وفي الإصلاح والتأليف بين الناس، ورعاية الضعفاء والمحتاجين ومساعدتهم. هذا في وقت كانت البلاد تعيش فترة من الفوضى وعدم الاستقرار، قبيل دخول الاستعمار إلى البلاد، وقد توفي الشيخ سيدياالكبير رضي الله عنه، سنة 1285للهجرة،عن عمر يناهز ثلاثا وتسعين سنة.

 

منقول 

من أعلام المدرسة الكنتية : الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبة الايبيري