المحظرة الموريتانية جامعة متنقلة على ظهور الإبل وتحت الخيام
الجمعة, 21 فبراير 2014 13:21

نحن ركبُ من الأشراف منتظمُ            اجل ذالعصر قدرا دونَ أدنانا

ننمي لحمير والأقوامُ شــــاهدةُ            أسلافُنا الغر من آل قحطانا

قد اتخذنا من ظهور العيس مدرسة ً             بــــها نبينُ دينَ الله تبيانا     

 

بهذه الأبيات يفخر الشاعر والعالم الموريتاني" مختار ولد بونه الجكني "بالمحظرة الموريتانية قبل قرنين من الزمن حين أنتج المجتمع البدوي الموريتاني لحظتها  ثقافة علمية   نادرة من نوعها, تحت الخيمة وعلى ظهور الإبل ومدرسة للعلوم الشرعية عرفت آنذاك باسم" المحظرة" وظلت  قائمة  الي يومنا هذا حتي صار اسمها أيقونة للموريتانيين والشناقطة جمعا.

"المحظرة بين  الحل والترحال"

رغم ظروف الترحال والبداوة في الصحراء الموريتانية المترامية الأطراف ، فرضت "المحاظر"  نفسها كمنبع وحافظ للثقافة والعلم والأدب في بلاد شنقيط،  وقد فندت" المحظرة "الموريتانية نظرية ابن خلدون التي تربط بين التعليم والعمران  وفق بعض المنظرين.والمحظرة هي المدرسة القائمة على شيخ واحد يدرِّس أغلب علوم الشريعة واللغة. وقد عرَّفها بعض الدارسين بقوله: "مؤسسة تعليمية عالية يقودها عالم في فن واحد أو عدة فنون، يسهر عليها وعلى طلابها أخلاقياً وأدبياً ومادياً حسبةً منه لوجه الله تعالى".وبدأت المحاظر في وقت مبكر في ربوع بلاد "شنقيط" على يد عبد الله بن ياسين، وهو أول معلم وداعية إسلامي يصل موريتانيا في عام 430هـ بأمر من شيخه عالم السوس وجاج بن زلو اللمطي. ولكن التاريخ الحقيقي للمحاظر يعود إلى القرن السادس الهجري، حيث كانت المحظرة تطلق على المدارس القرآنية في بلاد المغرب.وتضم موريتانيا حاليا نحو 1524 محظرة، يدرس بها نحو 70 ألف طالب من مختلف الجنسيات، وتنتشر المحاظر في طول البلاد، وتضم مختلف المراحل الدراسية من الابتدائي وحتى العالي، وتنقسم إلى محاظر كبيرة ومشهورة تُدرس بها جميع فروع العلم وتستقبل كثيرا من الطلبة، كمحظرة "أهل بيه" ومحظرة "أهل عدود" ومحظرة "آل الشيباني" ومحظرة "النباغية"، ومحظرة "أهل أجويد اليعقوبية" ومحاظر أخرى صغيرة تختص بتدريس القرآن الكريم فقط.

"عناصر المحظرة"

شيخ المحظرة أو"المرابط" كما يطلق عليه محليا  ويقوم بالتدريس والإشراف على كل شؤون المحظرة مجانا دون مقابل، ويتم توفير باقي النفقات من مسكن ومأكل في إطار التكافل والتعاون بين الجمعيات والمحسنين، وفي الفترة الأخيرة بدأت الحكومة تغطي نفقات بعض المحاظر وتهتم بها أكثر من السابق بعد استحداث إدارة حكومية خاصة بـ"محو الأمية والتعليم الأصلي" والتي من ضمن اختصاصاتها تنظيم المحاظر وإدخال بعض التعديلات والتحسينات على المناهج المتبعة وإدراج بعض المواد التي لم تكن تدرس من قبل.

"لوح خشبي وقلم سيال"

 لايحتاج طالب العلم في المحظرة الموريتانية للكثير من الأغراض فالقائمون علي المحظرة يوفرون له كل متطلبات العيش رغم بساطتها ومع ذلك فقاصد المحظرة عليه اصطحاب   لوح خشبي وقلم سيال و هو حبر مصنوع من مشتقات معدنية محلية كلها أدوات بسيطة، وأصيلة قضت بها عبقرية الموريتاني على دياجير الجهل، وحققت بها ما حققته كبريات المدارس الإسلامية بما امتلكت من وسائل علمية متطورة حينها.

"الخيمة "

وتعتبر المحظــرة الموريتانية جــامعة متــكاملة بلا فصول ولا مدرجـــــات ولا معاهد بحث...مجرد خيمة يجلس فيهـا طلاب العلم حول شيخ مسن ينهلون من ينبوع علمه الذي لا يقتصر على القرآن وعلومه و الفقه والفــــتاوى في شتى المذاهب والأحاديث بل يشمل علم الفلك والحساب والطب...الخ

"المناهج الدراسية "

يدرس في المحاظر الموريتانية  القرآن الكريم وعلوم الفقه وأصوله وعلوم الحديث والبلاغة والفلسفة والتاريخ والحساب والطب وغيرها من العلوم.ومن الكتب المعتمدة في المنهاج المحظري الموريتاني

- في العقيدة: نظم "وسيلة السعادة" للعلامة المختار ولد بونا، "أم البراهين" والكبرى والوسطى والصغرى للسنوسي، فضلا عما يصدر به بعض المؤلفين كتبهم الفقهية من مسائل عقدية كما فعل ابن عاشر.

- وفي الفقه يتربع "مختصر خليل بن إسحاق المالكي" على قائمة الكتب المعتمدة في التدريس، وإن كان البدء بالمتون الفقهية القصار والسهلة ضروريا مثل "ابن عاشر" و"الأخضري" ومتن "رسالة بن أبي زيد القيرواني"، و"كفاف المبتدي" للعلامة محمد مولود ولد أحمد فال اليعقوبي رحمه الله.هذا علاوة على تداول أمهات الكتب المالكية الكبرى كالموازية والواضحة وشروح خليل المتعددة.

-أما في الأصول فإن أبرز المتون الأساسية فيه نظم "الكوكب الساطع" الذي عقد به السيوطي جمع الجوامع للسبكي، إضافة إلى "ورقات إمام الحرمين" التي نظمها الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيدي المختار الكنتي.

- وفي النحو والصرف تشكل "ألفية محمد بن مالك" العمود الفقري للدراسة، وقد عقد النحوي المعروف المختار بن بونا -يرحمه الله- كتاب التسهيل لابن مالك وسمى نظمه بـ"الاحمرار"، ووضع ما تبقى من الكتاب حواشي متعددة على النص تسمى "الطرة"، وقد أصبح "نظم" و"طرة" ابن بونا معتمدين في كافة المحاظر الموريتانية، ولا تدرس الألفية غالبا إلا مقترنة بهما. كما تداول الموريتانيون مختصرات في النحو تعتبر نواة يبدأ بها الطالب الدرس النحوي مثل "الآجرومية" و"ملحة الإعراب".

- وكان استظهار النصوص الشعرية القحة كالمعلقات وديوان غيلان ذي الرمة وغيرهما من مختلف العصور الشعرية، فضلا عن روائع الشعر الموريتاني من أبرز أوجه الفتوة والسيادة الاجتماعية والثقافية؛ ولعل هذا هو السر في اهتمام الموريتانيين الكبير بالشعر وانتشار تداوله إنشادا وإنشاء، فقلما يخلو حي من شاعر على الأقل.

- أما السيرة النبوية فقد انتهجوا فيها نهجا يعتمد الحكايات الشفوية، وغالبا ما تتصدر النساء لتدريسها، وذلك بحكايتها للطالب، وسرد مجرياتها، وفي هذا النطاق يكتب الطالب نظم "الغزوات" ونظم "أنساب العرب" للعلامة الموريتاني «أحمد البدوي» علاوة على تداول سيرة ابن هشام وسيرة الحلبي، ويكون الطالب على موعد مع السيرة في شهر ربيع الأول شهر المولد النبوي الشريف حيث تكون بمنزلة استراحة «محارب». تضاف إلى ذلك المدائح النبوية من مختلف العصور الإسلامية.

"طرق التدريس"

لا تعتمد المحظرة على نظام المقاعد الدراسية، ولا تراعي في الطالب أي سن، ولا تراعي كذلك في الدراسة فترة زمنية معينة، فالجميع حر في أن يلج تلك المؤسسة التعليمية في أي سن وفي أي وقت حسب الجهد والإمكان. يلتزم الطالب بكتاب واحد حتى يكمله وذلك بعد حفظه للقرآن الكريم؛ لأنه في نظر مشايخ المحظرة يمنع قراءة أكثر من كتاب أو فن في ذات الفترة، ويكتب الطالب الدرس في اللوح، ثم يقوم بضبطه على الشيخ استعدادا لحفظه، ثم بعد ذلك يشرحه الشيخ له، على أن يقوم بعد ذلك بـ" التكرار"، والمقصود به المراجعة، وهي في نظرهم مهمة جدا، وينبغي ألا تتوقف تحت أي ظرف، ولا في أي وقت، ومن هنا شاعت كلمتهم المشهورة: "من ترك التكرار لا بد أن ينسى". ويوزع الطلاب أحيانا إلى مجموعات باختيارهم تسمى المجموعة منها "الدولة"، تدرس كتابا من الكتب المعتمدة في المحظرة، وتقوم بالمراجعة الموحدة، ويتولى أحد الطلاب قراءة النص على الشيخ فقرة فقرة أو كلمة كلمة حسب المقتضى، ويفضل أن يكون أجود المجموعة.ويشرح الشيخ الدرس باللهجة المتداولة وإذا اقتضى الأمر الاستنجاد بما يتطلب وسيلة توضيحية يلجأ الشيخ إلى التراب كوسيلة توضيح لقاعدة ما أو ترتيب صور ما، وربما لجأ إلى أحد الكتب المتخصصة لتوضيح مشكلة ما أو لمعرفة بعض الآراء والصور المتعلقة بها.

"أدوار حضارية"

بفضل "المحاظر" الموريتانية  انتشر الإسلام وتمدد إلى تخوم الغابة الإفريقية، وأوروبا عبر الأندلس، وبقدر ما انتشر الإسلام انتشرت اللغة العربية، ولعبت "المحاظر" دورا مهما لم يقتصر على الجانب التعليمي والتثقيفي، بل تجاوزت ذلك لتقوم بدور سياسي واجتماعي برز عبر مراحل تاريخ بلاد شنقيط، فسدت الفراغ الذي خلفه سقوط دولة المرابطين أواخر القرن الخامس الهجري، وشكلت سلطة سياسية تلجأ القبائل إلى مشايخها لفض نزاعاتها وعقد الصلح بينها.- قاومت المحاظر الاستعمار وشكلت بؤرة التعبئة الشعبية ضد وجوده، ووقفت سدا منيعا ضد محاولاته طمس الهوية الإسلامية وفرض اللغة الأجنبية، فعززت هذه الجامعات البنى الاجتماعية والثقافية وصانت هوية البلد ولغته وحققت الترابط والتجانس بين أفراده.

"تحديات تواجه المحاظر"

واجهت المحاظر  في موريتانيا الكثير من التحديات التي فرضتها وضعية البلاد المستعمرة، فبعد أن أشاعت المحظرة الأدب والثقافة في أطراف الصحراء دخلت في صراع حاد مع المدرسة النظامية التي فرضها الاستعمار، ورغم مغريات الحياة الجديدة والفراغ الذي خلفه تفرغ بعض المشايخ للمقاومة واضطرارهم للهجرة، بقيت المحظرة محافظة على مكانتها.وبعد الاستقلال وما تلاه من سنوات الجفاف، انقلبت البنية العمرانية لموريتانيا وزحف البدو نحو المدن وبدأت المدارس النظامية التي توفر لخريجيها وظائف تستقطب الطلاب بنسب تزداد سنة بعد أخرى ما أضر بالمحاظر، لكنه دفع نحو مشروعات تحديث هياكلها ومؤسساتها، وانتهج المعنيون بهذا النمط التعليمي عدة أساليب لتحقيق التوازن ما بين صيانة المحظرة باعتباره مقوم الهوية ومنبع المعرفة، فأنشأت معاهد ومراكز للتكوين لخريجي المحاظر توفر تعليما نظاميا جامعيا، واستحدثت محاظر لاستقبال طلاب الجامعات النظامية الراغبين في التعمق بالتعليم المحظري، وأدخلت بعض التحسينات على مقررات المحظرة وطعمت المناهج بمواد عصرية لإكساب الطلاب خبرات مهنية تؤهلهم للاندماج في الحياة المهنية. كذلك اتجهت المبادرات الخاصة إلى عصرنة المحظرة وتمدينها وإعادة تنظيم الدرس المحظري بصيغ عصرية فأنشأت مؤسسات مهجنة محظرية مدرسية زاوجت بين النظامين أخذت من المحاظر درسها وأخذت من المدرسة نظمها ووسائلها التربوية.

"المحظرة الموريتانية وصناعة التطرف"

مع  ظهور مابات يعرف بتنيظم القاعدة في بلاد المغرب العربي برز الي الواجهة عشرات القيادات من التنظيم يحملون الجنسية الموريتانية وكلهم من خريجي المحاظر الموريتانية وهو ماجعل العديد من الباحثين الاجتماعيين  يربطون بين المحظرة والتطرف ."ولد محمد البشير " باحث اجتماعي اثارت تصريحاته في الاونة الاخيرة انتقادا واسعا في موريتانيا حين اعتبر  ان المحظرة لا تتيح لطالبها فرصة الاضطلاع على ثقافات الأمم الأخرى، ومعرفة القيم الإنسانية المشتركة بين جميع البشر معتبرا ان  المحضرة  وهو احد طلابها سابقا لا تشجع على نشر السلام في العالم، القائم على مبدأ التعايش بين الأديان المختلفة وبالتالي تؤدي الي التطرف.زد على ذلك أن أكثر شيوخ المحاظر يحرمون الموسيقى والغناء، ولا يسمحون لطلابهم بتنمية البعد الجمالي لديهم.والذي لا يغني ولا يستمع إلى الموسيقى والأناشيد والأهازيج يكون عنيفا في معاملاته متشددا في سلوكه متعصبا لرأيه .ويقول "ولد محمد البشير"ان المحظرة تدرس طلابها أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم هي الحرب والعداوة وليس السلم والصداقة، وأن على غير المسلم أن يسلم أو يدفع الجزية أو يقاتل.كما تدرس الطلاب أن عقد معاهدات السلام الدائمة مع الدول غير المسلمة لا يجوز شرعا. وأنه يجب على المسلمين أن يجاهدوا الدول غير المسلمة لنشر الإسلام، وهذا خطأ كبير جدا، لأن الجهاد ليس لنشر الإسلام بل للدفاع عن العقيدة والوطن يضيف "ولد البشير".

سيدي محمد لخليفة

المصدر: بوابة إفريقيا الإخبارية

المحظرة الموريتانية جامعة متنقلة على ظهور الإبل وتحت الخيام